على المقعد (كتب في برلين حزيران 2016)

أسرع، أحمد، أسرع! لقد تأخرت على دورة اللغة الألمانية. ست دقائق لعينة حتى القطار التالي؟ ماذا سأقول للمعلمة الجديدة؟ أحتاج إلى إقناعها أنني أفضل طالب. يمكنها الآن أن تأخذ انطباعا بأنني مجرد “مهاجر” كسول آخر. كيف تقول عذرا على التأخر باللغة الألمانية؟ أوووف! الصف مغلق. لا يوجد درس اليوم. اللعنة، كيف يمكن أن أنسى؟ هل تحولت إلى آلة ألمانية؟

ماذا أفعل الأن؟ استخدام “البرلين باس” للذهاب إلى متحف مجانا؟ أم أذهب للاستلقاء في حديقة وقراءة الرواية  النابولية الحزينة المتناقلة عبر الأجيال؟ أستريح على مقعد بالطرف المقابل من المدرسة وأفكر.

امرأة قادمة نحوي. انها تجر أمتعتها وراءها. هل تنظر الي؟ نعم. حتى انها تتحدث معي. كأنها تطلب مساعدتي. بالكاد ما حدث هذا منذ انتقلت من القاهرة. الناس غالبا لا يقتربوا من الغرباء هنا. جلست بجانبي براحة وقالت أنا بحاجة للعثور على نزل رخيص بتكلفة أقل من 20 يورو.

أنظر الى هاتفي المحمول دون الكثير من التساؤلات. أنا أشعر بالفضول بالطبع. وهنا بجانبي فتاة شقراء جذابة ترتدي شورت قصير جدا، مباشرة بجوار شارع Kurfürstenstraße، وهو شارع العاملين في مجال الجنس، مع حقيبة ولا مكان لتبقى فيه. أنا لا أسأل من أين هي. أنا لا أسأل عن وظيفتها. لكن لماذا بحق الجحيم أسأل نفسي عما إذا كانت عاملة جنس؟ اضبط افتراضاتك الخاصة. أنا أحاول أن أدفنهم.

واو، غريب آخر يتحدث معنا. أتى وجلس بجانبنا على المقعد مع كأس من النبيذ في يد وسيجارة مريجوانا في الأخرى. لوح السيجارة امامنا، وسأل عما إذا كنا نود مشاركتها معه، لأننا نجلس على المقعد الذي يحب الاسترخاء عليه. دون الكثير من التردد أجيب: شكرا هذا سيكون رائعا. لكنها رفضت عندما مررت السيجارة لها. وهو بدأ بتقديم النصائح المتعلقة بالإقامة في برلين واقتراحات من تجربته على أنه برليني الأصل.

يرن هاتفه المحمول. يقول إنه معالجي النفسي يتصل لتغير الموعد. ثم يغادر المقعد مؤقتا للحديث معه. عند الانتهاء من المكالمة يعود ليشرح لنا أن معالجه وثق “مرضه النفسي”. ويمكنه الأن تسليم الأوراق إلى مركز العمل (الجوب سنتر) حتى يحصل على دعم الدولة للعاطلين عن العمل. إنه ليس بالكثير كما يقول، ولكن يكفي لإبقائه حيا وسعيدا.

هل هو بلا مأوى؟ لا اعلم. يجب أن أتوقف عن افتراضاتي السخيفة هذه. إنه تمرده ضد المجتمع المروع الذي يجبر الناس على العمل دون أن يعيشوا حياتهم بالكامل، يقول إنه لديه أصدقاء في الشوارع، ويذهب إلى هذا وهذاك البار، ويقول انه يتعاطى الكوكائين أو الحشيش أما الهيروين فلا انه احتمال بعيد، وأنه من محبي الفطر (نوع من المخدرات)، ويقارن الأصناف الأوروبية مع المكسيكية. ويقول: “إن المشاركة هي الثروة. إذا لم يكن لديك شخص ما لتتشارك معه، فأنت رجل فقير.

ويسألني “من أين أنت“؟ وبذالك يكسر الحاجز. الفتاة بولندية. أنا مصري. ثم يقول، امرأة جميلة مثلك لن تجد صعوبة في العثور على مكان للبقاء. وتقول الفتاة أنها ذهبت إلى شرم الشيخ سابقا! من هذه الفتاة؟ ولماذا تحاول الجلوس قربي أكثر على المقعد؟ هل تحاول التقرب مني؟ ولماذا أجد هذا الرجل جذابا بشكل مفاجئ؟ عندما يذكر زوجته وعشيقاته، و أسأله كم عددهم….

برلين 2016

كتابة: أحمد عوض الله

الرسوم التوضيحية داريا زاخاروفا

ترجمة: ليلاس اللؤلؤ