“مرض برلين الجميل” أو تأملات في ورشة عمل “مقدمة لفن سرد القصة”

نص بواسطة بينار أوزوتيميز

في مدينة برلين، المدينة التي نحبها جميعًا بشكل سري والتي من السهل أن تخيب ظننا وتشعرنا بخيبة أمل بسبب نمط الحياة المجهد وأسلوبها السريع والمعزول، المتصل وغير المتصل بالإنترنت.وشعور الإغتراب عن الذات الذي يتسرب لأنفسنا..

في بعض الأحيان ، لدينا ميل إلى الشعور بأن أحلامنا قد استقرت لبعض الوقت. أو حتى نبدأ في الاعتقاد بأن هذه الأحلام قد لا تتحقق أبدًا ؛ لذلك نعزم على وشم أجسادنا  قبل أن نتقدم في السن لنبدوا أكثر إثارة للإعجاب .

أو عند نهاية ليلة طويلة في آخر الأسبوع ، نحاول التمسك بوجود فكرة الحب الانهائي… مع ذلك ، يبدو أن الحب لا يمكنه مقاومة “المرض الجميل” لبرلين. هنا لا أحد يهتم! ربما يكون الناس مشغولين جدًا أو مرهقين جداً من العلاقات في هذه المدينة الكبيرة. انها وحيدة ايضاً. واللعنة! الجو بارد هنا.

شخصياً أجد أنه في بعض اللحظات أنني لا أستطيع التعبير عن نفسي بشكل صحيح باللغة الألمانية ، حتى بعد العيش في هذه المدينة لأكثر من أربع سنوات! حسنًا لا يبدو أنني وُفقت. لكن التقبل هو أول الخطوات ويجب علي أن أحمل إيمانا بأنني سأتحدث الألمانية بطريقة أفضل قريباً! لكن هل لا زلت أحمل الدافع في هذه اللحظة؟ في هذا المحيط يبدو أنه من الطبيعي أن تشعر بالحزن..أليس هذا صحيحاً؟ إذا ربما حان وقت للقيام بسبات شتوي.

ولكن عندما اتأمل هذا أجد أنه إذا كنت أخبر نفسي بهذا النوع من القصص كل يوم، فعندئذ ربما أصبحت واحدة من هذه القصص في يوم ما ، أليس كذلك؟ أليس هذا حزينًا؟ كيف يمكنني تغيير ذلك إذن؟ كيف يمكنني تغيير هذه القصص التي أرويها كل يوم؟ هل هذا ممكن؟

تلك كانت الأسئلة التي بحثت فيها …وطرحتها على نفسي لفترة من الوقت.

هكذا وقع بين يدي أحد أقدم أشكال الفن _في نهاية 2014 في إسطنبول_ وهو فن سرد القصص كفن أداء معاصر. هو فن تفاعلي شفهي يعمل من خلال استخدام الكلمات والأنشطة لأستكشاف الصور في قصة ما مع تشجيع خيال المستمع. كل ما تحتاجه هو قصة  وقاص ومستمع. بهذه السهولة! منذ ذلك الحين ، بدأت في استكشاف عالم القصص بما في ذلك الأساطير والحكايات الشعبية والقصص الخيالية والحكايات الرائعة من خلال قوتها في تعزيز الخيال ، وذلك بفضل اللغة الرمزية الخالدة. أقصد ومن فضلكم لا تسيئوا فهمي ، حيث أنني لم أر قط أي تنين! على الأقل ليس في الواقع.لكنني أستطيع التعامل معهم عندما تُبعث مغامراتهم إلى الحياة من خلال قصة. أو ربما من خلال دليل ” كيف تصبح تنيناً” ويكون لدي رغبة قوية في تحقيق ذلك.وبهذا المعنى ، فإن القصة التي تُحكي بتفاصيل وشعور كافيين لكي تبدو حقيقية ، توفر تجربة خيالية غنية  يمكنها أيضًا تحفيز مشاعر وآمال القارئ. بحيث تخلق حقيقة موازية وبإختصار هي تجربة ملهمة.حيث نرى كيف أن سرد القصة يجعلنا أكثر انفتاحًا ، وأكثر ارتباطًا ، وأكثر تركيزًا ، وأكثر إبداعًا ، وانفتاحًا على الأخر بطريقة جميلة.

بعد 5 سنوات من رحلة سرد القصص ، كانت “مهمتي السرية” هي مشاركة هذه المعرفة مع أشخاص آخرين. أثناء إعداد ورشة العمل – “مقدمة لفن رواية القصص” – بصفتي ميسرة لأول مرة في حياتي – أردت توفير وقت ومساحة يمكن من خلالها لـ “سكان برلين المشغولين” مقابلة راوي القصة القادم من دواخلهم ومن تجاربهم الخاصة.

 الكلمات القادمة والتي كتبتها مورييل روكيسر كانت شعار ورشة العمل السابقة:

“الكون مصنوع من القصص وليس من الذرات”

في ورشة العمل السابقة كان هناك ما يقرب من 12-15 مشاركًا من أصول مختلفة ، تتراوح أعمارهم بين 22 و 65 عامًا.

شاهدت بأم عيني كيف أن القصص خلقت طلاقة طبيعية ومساحة من الثقة والإنفتاح بين أشخاص لم يكن بينهم أي أتصال سابق.

 تتضمن ورشة العمل طريقة سرد القصة من خلال الإرتجال والمرح والتقنيات المرئية وإنشاء صور تركز على التأمل  والكتابة اليومية  والتفكير والعمل التشاركي والمناقشة الجماعية.

أستطيع القول إن نيتي كانت خلق جو مخلص وحقيقي في ورشة العمل حيث يمكن للمشاركين الالتقاء والبدء في التساؤل والحلم والتواصل والعيش من خلال القصص. وهذا حدث بالفعل! لقد جعلني فخورة بمراقبة كيف ينفتح الناس، ويصبحون أكثر مرحًا ويتصرفون بطريقة خلاقة، ويركزون ويبدأون في سرد ​​القصص بأصالتها. مع هذا الإلهام ، في نهاية ورشة العمل ، كان حتى أكثر المشاركين خجلاً قادرين على سرد قصتهم بحرية.

تبقى الحقيقة: أنا هنا لا أجادل بأن فن رواية القصص سيغير حياتك بأكملها من خلال ورشة واحدة، لكنها بالتأكيد ستكون تجربة رائعة، وستفتح بابًا جديدًا لإجراء اتصال حقيقي مع نفسك الإبداعية والطبيعية. بالنسبة لمعظم الناس ، يمكن اعتبار رواية القصص نشاطًا ممتعًا للأطفال ، وهو شيء يقومون به من حين إلى آخر. ومع ذلك ، فهي أداة سحرية لجعل البالغين أكثر فضولًا وانفتاحًا على حواسهم ومساعدتهم على القفز لتجربة الحاضر والشعور “ككل” في مدينتنا الكبيرة. يمكنها أيضًا أن تساعد في تغيير القصص التي نعيد سردها لأنفسنا كل يوم.

من ورشة العمل هذه  أستطيع أن أقول بسهولة أن سرد القصص يساعدنا على إعادة اكتشافنا لنشعر بالامتلاء من الحياة مرة أخرى. للتوضيح  يواجه بعض المشاركين الطفل في أعماقهم ويحددون الحاجة للتحدث بأصواتهم وهو ما كان ينقصهم لفترة طويلة. يعيد البعض التواصل مع جانبهم الأنثوي القوي والذي لا يخشى سرد القصة باللغة الألمانية بعد الآن. بعضهم مرتبط عاطفياً براوي القصة القادم من دواخلهم وذلك ببساطة عبر تقدير قصة جيدة في عالم وهمي بلا حدود. والبعض بدأ بإختبار كيف يمكن لرواية القصة أن تكون مرحة وممتعة. ويبدو أنه حتى سكان برلين المشغولون يرغبون في إعطاء المزيد من الوقت للتعبير عن/ والاستماع إلى المزيد من القصص الآن! أنا ببساطة ممتنة لفريق ملتقى لمنحي هذه الفرصة لتقديم ورشة العمل هذه.

اخيراً وليس اخراً  أريد أن أشارك قصيدة كتبها أحد المشاركين عندما كنا نعمل على صناعة الصور في القصص خلال ورشة العمل

طفولة..

توضع في مشهد طفل

تستكشف العالم .. ببراءة

تستمع إلى الموسيقى

تلقي بالأحجار

تستكشف العالم

تخلق شيء

تهز المياه

تكون متصل

ثم… فجأة…تغادر للفضاء

الأبواب تُفتح وتُغلق بعنف

تنتهي الطفولة

تُشعل الأضواء

تصبح جاداً مرة أخرى